مـهـــــد الـــــعـرب
في الجزء الجنوبي من جزيرة العرب تمتد أرض ( اليمن ) .. وإن كان هناك اختلاف في مدلول ( اليمن ) وحدودها الطبيعية ، فاليونانيون كانوا يسمونها ( العربية السعيدة) و يقصدون بها كل أرض الجزيرة وشبه جزيرة سيناء . وأكثر المؤرخين العرب يحددون بأن ( اليمن ) تاريخيا هو الجزء الجنوبي من جزيرة العرب ، ويشمل ذلك:
- حضرموت .
- عُمان .
- إمارات جنوب الخليج ومكة المكرمة.
بالإضافة إلى الأرض المعروفة الآن باسم (اليمن) .
ومعظم القبائل في هذه المناطق تنتسب إلى ( قحطان بن هود ) . وفي كل الأحوال كانت ( اليمن ) تمتد في بعض الأحيان حتى مناطق شاسعة بعيدة تختلف عما تحدد في بعض فترات التاريخ التالية.
وفي هذا الجزء الجنوبي من جزيرة العرب .. وفي ذلك التاريخ الموغل في القدم ، شهدت ( اليمن ) تطورات إنسانية تمثل قصة البشرية في مراحلها الأولى ، فعلى أرضها جرت قصة ( آدم ) أبي البشر – عليه السلام – وفي منطقة ( جدة ) يقال أن هناك قــبر زوجته ( حواء ) أم البشر ، ومن بعدهما شهدت أرض اليمن أحداثاً تاريخية هامة حيث جرت أحداث قصة نبي الله نوح - عليه السلام – مع قومه الذين تركوا دين التوحيد واتخذوا أصناماً آلهة من دون الله الواحد الأحد .. وتدل أسماء تلك الأصنام – كما ذكرها القرآن – أنها أسماء عربية يمنية ( وداً وسواعاً ويغوث ونسراً ) … وهذا يدل على أن أحداث بداية التاريخ الإنساني جرت فصولها في أرض اليمن والعرب.
ومن بعد قصة نوح – عليه السلام – والطوفان .. تبرز قصة ابنه ( سام بن نوح) في اليمن أيضاً ، ومن نسله خرجت أطوار جديدة من بني الإنسان أي الساميين العرب، والذين يرى كثير من المؤرخين أنهم عاشوا في اليمن مثل ( العمالقة – وعاد الأولى … ) وهؤلاء منهم من استقر في اليمن … ومنهم من نزحوا إلى العراق والشام وأفريقيا الشرقية … ومصر وشمال أفريقيا .. ولــذلك أطلق المــؤرخون على اليمن لـقب (مهد العرب ). فبلاد العـرب هي الموطن الأصلي للساميين .. واليمنيون ينتمون إلى الجنس السامي … وأشهر الأقوام السامية :العرب ، البابليون ، العبرانيون ، الفينيقيون ، الآراميون والسومريون .
وأرض هذه الشعوب السامية هي بلاد التاريخ الإنساني الأول ، وبلاد الحضارات القديمة .. وفيها ظهرت الديانات السماوية .. ونزلت الرسالات والكتب .. وعاش الأنبياء والرسل الذين منحوا التاريخ الإنساني أعطر وأعظم وأسمى صفحاته .
هؤلاء هم العرب
مرّ ( العرب ) بثلاثة أدوار كان لليمن قسط عظيم فيها:
أ- العرب العاربة ( البائدة ) : ومنهم ( العمالقة ) ،عاد الأولى والثانية ، ثمود، جرهم الأولى والثانية ، قحطان ويعرب ، وعُمان وحضرموت .
وأول ما ظهر العرب العاربة في اليمن ، واستقر بعضهم فيها، وبعضهم نزح من اليمن إلى إفريقيا الشرقية ، وإيران ، والشام ، والعراق وهؤلاء الأخيرون هم أسلاف السومريين والكلدانيين الذين ظهروا في تلك البلاد وأقاموا فيها حضارات عظيمة.
وعلى الرغم من أنه لا توجد آثار مادية من تاريخ العرب العاربة وأخبارها ، إلا أنهم كانوا معروفين بالقوة الجسمانية والعسكرية والحضارية والاقتصادية … وورد في القرآن الكريم آيات عديدة تدل على ذلك كقوله تعالى عن عاد الأولى الذين استخلفهم الله بعد نوح – عليه السلام – أنهم قالوا : " من أشد منا قوة " أثناء مواجهتهم مع نبي الله هود – عليه السلام - .. كما وصفتهم آيات القرآن بأنهم (وإذا بطشتم بطشتم جبارين ، فاتقوا الله الذي أمدكم بما تعلمون ، أمدكم بأنعام وجنات وعيون .) . وقال عنهم القرآن أيضاً (ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد ؟ إرمَ ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ) .
كان ظهور عاد – كما تقول بعض الروايات التاريخية – قبل ميلاد المسيح عيسى – عليه السلام – بقرابة سبعة آلاف عام وانتهوا قبل مولده بألفي عام بعدما ضرب الجفاف أرض الأحقاف فتحولت إلى صحراء رملية .. وبعد هلاك عاد الأولى جاء من نسلهم عاد الثانية التي لا يوجد حولها روايات كثيرة ، ويبدو أنهم عاشوا حتى الألف الخامسة قبل ميلاد المسيح حتى غلبهم ( يعرب بن قحطان ) .
ومن العرب العاربة قوم ( ثمود ) الذين ظهروا قبل عهد إبراهيم – عليه السلام- وقيل إنهم سكنوا في البداية بالجنوب الشرقي من اليمن – بين عسير وحضرموت – ثم انتقلوا ونزحوا إلى الشمال واستقروا بوادي أو مدائن صالح والحجر .. واتخذوها موطناً لهم وشادوا فيها آثاراً تدل على قوتهم ونبوغهم حتى قال عنهم القرآن الكريم : " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد " فكان لديهم العلم والخبرة بتقطيع الصخور والجبال وبناء القصور الضخمة التي ما تزال آثارها باقية حتى الآن.
ب- العرب المتعربة (القحطانيون): ونشأ بعد تلك الأقوام القديمة ( القحطانيون ) العرب المتعربة بعد هلاك عـاد وبقايا العمالقة ، وهـم أسلاف عاد فيمـا يقال و( قحطان ) هو ابن هود عليه السلام ، ومن سلالته ( يعرب ) وهو الذي بدأ مسيرة القحطانيين وبسط نفوذه في جزيرة العرب، وهـو أول من هذّب اللغة العربية في زمنها الثاني ( العرب المتعربة ) ، كما قال الإخباريون ، ونسبت العربية إليه واشتقت من اسمه، وهو أول من حياه العرب بتحية الملك ( أبيت اللعن وأنعم صباحاً ) .
وبعد أن بسط ( يعرب بن قحطان ) نفوذه في الجزيرة العربية ، ولّى أشقاءه على مناطقها:
فولى أخاه ( جرهم ) على الحجاز ، وولى أخاه ( عُمان ) على منطقة ( عُمان) التي سميت باسمه، وولى أخاه ( عامر ) الملقب بـ(حضرموت ) على منطقة حضرموت التي سميت باسمه كما يقال لأنه كان مغواراً كثير القتل في المعارك فإذا حضر معركة يقولون:حضرموت .
وإلى ( يعرب بن قحطان ) ترجع أنساب القبائل اليمنية ومنهم: المعينيون ، السبئيون ، كهلان ، وحمير .. وبقيادة يعرب تغلب القحطانيون على اليمن وسادوا فيها بعد أن تكاثر عددهم واشتد ساعدهم حتى جاء عهد ( يعرب ) الذي مكن لهم من السيادة على من عداهم من بقايا العمالقة والعاديين.
وجرهم الأولى ثم الثانية ، استوطنوا الحجاز بمنطقة مكة قبل قدوم إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل – عليهما السلام – ، وقد نشأ إسماعيل – عليه السلام – بين الجرهميين وتـزوج منهم ، وأخـذ العـربية عنهم فصارت لسـان أبنائه العــدنانيين وهـم (العرب المستعربة ) .
ج- العرب المستعربة: وهم الذين استوطنوا الجزيرة العربية وتزاوجوا مع العرب الجرهميين وأطلق عليهم (العدنانيون).
منقول للفائده