بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أ.د.طارق بن علي الحبيب
التربية الوطنية والتربية النفسية في المناهج الدراسية</span>
هل يساهم مقرر التربية الوطنية في زيادة انتماء الفرد السعودي لوطنه ؟
سؤال يحتاج إلى جواب، والذي لا يمكن القطع به أو بضده إلا من خلال إجراء مقياس للوطنية قبل وبعد دراسة ذلك المقرر، مع تحييد أي عوامل أخرى قد تؤثر على درجة انتماء ذلك الفرد لوطنه، وهو أمر متعذر إلى حد كبير.
والمتأمل في نظام ومحتوى هذا المقرر يلاحظ ما يلي :
أولاً : لا رسوب في هذه المادة.
ثانياً : ليست مشمولة في معدل السنة الثالثة الثانوية.
ثالثاً : تعطى هذه المادة عادة لإكمال نصاب المعلم.
رابعاً : لا يوجد تخصص في الجامعة يتخرج منه معلمون لهذه المادة.
خامساً : ليس هناك دورات تدريبية لمدرسي التربية الوطنية.
سادساً : في مدارس محاضن الأجيال ( الطالبات ) لا يتم تدريس مقرر التربية الوطنية.
مما سبق يبدو لنا أن هذا المقرر قد يفعل في نفوس الناشئة عدم احترام الوطن من حيث أردنا منه احترامه.
إننا بحاجة في هذه المادة إلى الطرح الواقعي والثقافة الصريحة.
لذا يجب أن نضع أسئلة محددة تلبي احتياجاتنا المعاصرة، ونسعى في تحقيقها من خلال هذا المقرر:
* ما مفهوم الوطن مقابل مفهوم الأمة ؟
وذلك لأننا نريد أن يشعر الفرد بالانتماء للمجتمع ( الوطن) أكثر من الأسرة أو القبيلة، لأن هذه هي متطلبات الدولة الحديثة.
* كيف سيكون موقع الإنسان السعودي في محيط الإنسان العالمي، لأننا في زمان المواطن العالمي ؟!
* ما متطلبات بناء المواطن القوي ؟
* من أكثر حاجة إلى الآخر الوطن أم المواطن ؟
فحاجة الطالب نفسه لأمن الوطن أكثر من حاجة الوطن له، هي حقيقة يجب أن يعيها الطالب ويسعى في تحقيقها.
* كيف يتم إشعار الإنسان بكيانه ؟
وذلك لأن المواطن الذي له كيان يكون أكثر إصلاحاً، وأما المواطن الذي لا كيان له يكون عادة اعتمادياً وانتهازياً.
إن الوطن في حسي هو توجه عام شبيه بمفهوم الدين لكنه في شؤون الدنيا.
إن شأن الوطن شأن كبير، ولذا يجب أن لا يخضع لاجتهادات غير مدروسة أو اجتهادات لا تراجع من حين لآخر من أجل مواكبة تطور الإنسان في مجتمعنا وتفاعله مع غيره .
إني أرى أننا بحاجة إلى رفع درجة الوعي وإدراك الحياة لدى الناشئة بشكل أساسي ، ولذا أقترح ما يلي :
( أ ) إدراج مقرراً للتربية النفسية في مقررات المدارس يعني بما يلي :
1- التفريق بين الموضوعية والذاتية في التعامل والتفكير. والموضوعية هي استخدام مبدأ الملاحظة والاستنتاج والترابط والسببية في ربط الأشياء ببعضها. أما الذاتية فهي تحوير الواقع برؤية الفرد أي يسقط تفكيره على الواقع وليس العكس كما هو في الموضوعية. من هنا نستطيع بناء فكر البدائل والتفكير التعددي الذي يختار منه الإنسان ما يراه أقرب إلى الحق والصواب.
2- التفكير التقيمي من حيث دراسة الأمور بميزاتها وعيوبها مما ينمي لدى الفرد ملكة البحث والتقصي.
3- التفكير الإبداعي الذي يدرب الناشئ على اختلاق وبناء الأفكار والحوار حولها.
4- بناء الثقة بالنفس والالتزام الذاتي أولاً قبل السعي في الحصول على التوافق الاجتماعي.
5- أساليب الحوار.
6- أساليب التعامل مع الآخرين والتركيز على أخلاقيات العلاقة مع الآخرين، وعدم الاقتصار على أخلاقيات الفرد السلوكية مقابل إهمال أخلاقيات التعامل مع الآخر.
7- أساليب اتخاذ القرار من حيث تدريب الناشئ على الغرض من القرار وتوقيته, وما الفوائد والمضار المحتملة له, وما الإمكانيات والصعوبات التي ستتبع ذلك القرار وكيف يمكن متابعة آثاره.
8- القدرة على التعامل مع المشكلات.
9- أساليب التفكير الإيجابي.
10- أساليب التعامل مع السلوكيات الخاطئة.
11- أساليب التعامل مع العلل الشخصية كالحساسية المفرطة والشك ...
12- أساليب التعامل مع الضغوط النفسية والإجهاد وصعوبات الحياة.
13- تدريس علم الأخلاق من حيث تعريفه الأخلاق ونشأة الأخلاق وما فائدتها لنفسي ولغيري وللمجتمع؛ لأن ذلك يساعد الفرد على التعايش والواقعية مع الآخر.
14- توسيع مدارك الناشئة من حيث تدريس علم الأجناس والحيوانات وسلوكياتها (إنما هم أمم أمثالكم) وكذلك علم الاجتماع وعلم النفس بعمق أكبر لأن ذلك يساعد في بناء ملكة التمييز والانتقاء.
(ب) الحرص على الموائمة بين مفهوم الأمة ومفهوم المواطنة في حس الإنسان السعودي. ولن يتم ذلك ـ في نظري ـ إلا من خلال بناء وطن قوي يفوق قوة في حس الفرد السعودي المتدين قوة الأمة التي يفترضها، ويفوق أيضاً قوة في حس الفرد السعودي غير المتدين قوة القبيلة أو الأسرة التي ينتمي إليها.
(ج) توضيح معنى وحقوق الوطن والمواطن من أجل توظيفه في عملية البناء المدني لهذا الوطن، من خلال معرفة الفرد ماله وما عليه معرفة عملية تشعره بوجوده وأنه غير مهمش الدور في التغيير المدني الداخلي، وهو تماماً ما تم في النهضة الأوربية التي انطلقت أولاً من هذا المفهوم ثم جاء بعد ذلك الإصلاح السياسي.
ولعل بناء الشعور الاجتماعي المدني متمثلاً في البرامج الخيرية والتطوعية وبرامج الرعاية الاجتماعية تساعد في نمو الأفراد المدركين لحاجات مجتمعهم والحاملين لهمه .
( د ) التركيز أكثر إعلامياً وتعليمياً على المشكلات الاجتماعية، ومنحها اهتماماً تحليلياً صادقاً دون الاكتفاء بوصفها بأنها مشكلات وافدة إلينا، لأنها حقيقة قد أصبحت جزءاً من واقعنا