( تعريف الحوار )
الحوار من المحاورة وهي المراجعة في الكلام, وهو المناقشة بين طرفين أو أطراف يقصد بها تصحيح كلام وإظهار حجة وإثبات حق ودفع شبهة.
والجدال من جدل الحبل إذا فتله, وهو مستعمل فيمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق, ثم استعمل في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها. وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ).
( غاية الحوار )
الغاية من الحوار : إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي.
يقول الذهبي : إنما وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادته وإفادة العالم الأذكى العلم لمن دونه.
ثمّة غايات فرعية منها :
1- إيجاد حل وسط يرضي الأطراف .
2- التعرف على وجهات نظر الطرف الآخر.
3- البحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى من أجل الوصول إلى نتائج أفضل ولو في حوارات ثانيه.
( الخلاف )
الحوار لا يكون في القطعيات وإنما في الأمور المختلف فيها . والخلاف واقع بين الناس في مختلف الأعصار , وهو سنة الله في خلقه , فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم و... إلخ, هذا الاختلاف الظاهري, وهذا دال على الاختلاف في الآراء والاتجاهات, وكتاب الله يقرر هذا ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ). يقول الرازي : المراد اختلاف الناس في الأديان والأخلاق والأفعال.
واللام في ( ولذلكـ خلقهم ) ليست للغاية, ما خلقهم ليختلفوا وإنما للعبادة. واللام هنا للعاقبة والصيرورة, أي خلقهم ليكونوا فريقين.
( أصول الحوار )
1- سلوكـ الطرق العلمية والتزامها. مثل تقديم الأدلة المثبتة بدل أن يكون كلاماً في الهواء. وصحّة النقل في الأمور المنقولة } إن كنت ناقلاً فالصحّة وإن كنت مدّعياً فالدليل {. وفي التنزيل ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ).
2- سلامة كلام المناظر ودليلة من التناقض. من الأمثلة : وصف فرعون لموسى : ( ساحر أو مجنون ) والسحر والجنون لا يجتمعان.
3- ألاّ يكون الدليل هو عين الدعوى, لأنه يكون إعادة للدعوى وهذا تحايل في أصول الحوار.
4- الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مسلّمة, مثل صدق الكلمة, أو مسلّمات دينية كالإيمان بربوبية الله وعبوديّته ونبوّة محمد وتحريم الزنا..., فالقضايا المسلّمة لا يجوز أن تكون محل نقاش.
ومع غير المسلم يكون النقاش معهم في أصل الديانة, في ربوبيّة الله وعبوديّته.
وينبني على هذا الأصل أن الإصرار على إنكار المسلّمات والثوابت مكابرة قبيحة, وليس هذا شأن طالب الحق.
5- التجرّد وقصد الحق والبعد عن التعصّب والالتزام بأدب الحوار., وهو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لاعوَج فيه .
يقول الشافعي: ما كلّمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفّق وتكون عليه رعاية الله وحفظه, وما ناظرني فباليت ظهرت الحجّة على لسانه أو لساني.
6- أهليّة المحاوِر. إذا كان الحق ألاّ يُمنَعُ صاحب الحقِّ عن حقّهِ فمن الحقّ ألاّ يُعطى هذا الحق لمن لا يستحقّه.
من الخطأ أن يتصدّى للدفاع عن الحق من كان على الباطل, ومن لا يدركـ مسالكـ الباطل.
والذي يجمع لكـ ذلكـ كلّه : العلم. وقد قال الشافعي: ما جادلت أحداً إلا وغلبته, وما جادلني جاهلاً إلا وغلبني.
7- قطعيّة النتائج ونسبتها. من المهم في هذا العصر أن الرأي الفكري نسبي الدلالة على الصواب أو الخطأ ويندرج تحت المقولة : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
وبناء عليه فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الآخر.
8- الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصّل إليها المتحاورين والالتزام الجاد بها وما يترتب عليها . وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث.
( آداب الحوار )
1- التزام القول الحسن وتجنّب منهج التحدّي والإفحام, " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن " ويُلحق بهذا الأصل تجنّب سوء التحدّي ولو كانت الحجّة بيّنة. فإن كسب القلوب مقدّم على كسب المواقف, وليحرص المحاور ألاّ يرفع صوته فالصوت العالي لا يجلب الحجّة بل إنه لم يعلُ صوته إلاّ لضعف حجّته في الغالب, كذلكـ ينبغي البعد عن استخدام ضمير المتكلم كفعلت وقلت وتجربتنا فهذا عنوان على الإعجاب بالنفس.
ينبغي ألا يستخدم الذكاء المفرط فيختزل العبارات ومن ثمّ فلا يُفهَم, كما لا يرتبط فيه الغباء فيبالغ في شرح ما لا يحتاج لشرح.
من الآداب الالتزام بوقت محدّد في الكلام. يقول ابن عقيل: وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة.
وأغلب أسباب الإطالة يرجع إلى ما يلي :
أ- إعجاب المرء بنفسه.
ب- حب الشهرة والثناء.
ت- ظن المتحدّث أن ما يأتي به جديد على الناس.
ث- قلّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم.
2- حسن الاستماع وعدم المقاطعة.
3- تقدير الخصم واحترامه.
4- حصر المحاورات في مكان محدد.
5- الإخلاص, ويدخل فيه توطين النفس إذا ظهر الحق على لسان الآخرين, ومن الإخلاص إيقاف الحوار إذا وجدت نفسكـ قد تغيّر مسارها ودخلت في مسار الجدال والخصام.