الإرهاب في أبسط تعريفاته هو مجمل الأنشطة التي تهدف إلى اشاعة جو من عدم الاستقرار في المجتمع، باتباع جملة من وسائل العنف المنظم والمتصل بقصد خلق حالة من التهديد العام الموجه إلى دولة أو جماعة، وترتكبه جماعة منظمة بغرض تحقيق أهداف سياسية أو غيرها، فتلجأ إلى الاغتيالات والتفجيرات في الأماكن العامة، والهجوم المسلح على المنشآت والأفراد والممتلكات، واختطاف الأشخاص، وأعمال القرصنة الجوية أو البحرية، واحتجاز الرهائن، واشعال الحرائق، وغير ذلك من الأعمال التي تتضمن المساس بمصالح الدول الأجنبية، ممايترتب عليه إثارة المنازعات الدولية وتبرير التدخل العسكري.
وقد انتشر مصطلح الإرهاب في وسائل الإعلام المختلفة ويكثر تداولة عند ظهور أي عمل تخريبي، أو القيام بأي فعل إجرامي تحركه دوافع مختلفة، ويرتكبه فرد أو جماعة من الأفراد، بأسلوب يعتمد على نشر الرعب في النفوس، بغية تحقيق هدف معين، وهو مايعرف بالمفهوم الإسلامي بالحرابة.
وترتبط تهمة الإرهاب بكل شخص ينحرف في سلوكه أو معتقداته، غير أن وسائل الإعلام الصهيونية تعمد إلى ربط الإرهاب بالإسلام، في محاولة منها للكيد بالإسلام ومحاربته بكل الوسائل للحيولة دون انتشاره، ولترهيب المجتمعات الغربية منه، بإعطاء صورة مغلوطة عنه وتشويه صورته في أوساط المجتمعات المتحضرة، وذلك بالإدعاء أن الإسلام قد أعلن الحرب على العالم المتحضر، وتعمد أجهزة الإعلام المعادية للإسلام إلى إبراز بعض التصرفات الشاذة أو المنحرفة التي يمارسها بعض الغلاة والمتطرفين الذين يدعون الانتماء إلى الإسلام، ولكنهم يجهلون الإسلام، بل يتصرفون تصرفات مريبة وشاذة يرفضها الإسلام ولايقبلها لأنها تتعارض مع المبادئ التي يدعو إليها، ومع القيم الأصيلة التي يتحلى بها .
ومما يؤسف له أن ربط مفهوم الإرهاب بالإسلام لم يأت من فراغ وإنما أتى من تصرفات بعض الغلاة أو المتطرفين الإسلاميين.
والتعرض للمارة والسياح وإخافتهم أو قتلهم، كالذي حصل في يوم الاثنين 2يوليو 2007م في محافظة مأرب عندما قام بعض المتطرفين الذين يدعون الإنتماء للإسلام ــ للأسف ــ بالاعتداء على السياح الأسبان الذين قدم والزيارة آثارنا التاريخية، فقتلوا منهم سبعة سياح أبرياء دون أي سبب سوى فهمهم الخاطئ للدين، فأساؤوا بذلك للإسلام الذي يدعون الإنتماء إليه، وأضروا بمصلحة اليمن التي ينتسبون إليها.
إنه من الخطأ ربط الإسلام بالإرهاب لمجرد أن جماعة مارقة تدعي الإنتماء إليه خرجت عن جادة الصواب، ومارست أعمالاً إرهابية، أو قامت بأفعال إجرامية، لأن الإسلام في أساسه وحقيقة جوهره يرفض الإرهاب بمختلف أشكاله وألوانه، لأن ذلك يتعارض مع مبادئه السامية، ويتمثل ذلك في الحقائق الآتية:
1ـ إن من طبيعة الإسلام أنه يدعوا إلى إقامة العمران وتشييد المباني، واستصلاح الأراضي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من أحيا أرضاً ميتاً فهي له»«البخاري 5/33».
لذا لايجوز لمسلم أو لمن يدعي الإنتماء إلى الإسلام أن يسعى لتخريب العمران وتدمير المنشآت، بما يتنافى مع مبادئ الإسلام.
2ـ من طبيعة الإسلام أنه يحرم تحريماً قطعياً أن يقتل الإنسان نفسه، أو يعرض نفسه للهلاك، وفي ذلك قال الله تعالى:
«ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة» «البقرة،195» وعليه لايجوز لمسلم أو من يدعي الإنتماء إلى الإسلام أن يلقي بنفسه إلى التهلكة باستخدام السيارة المفخخة أو نحوها، مع علمه بأن هذا الفعل يحرمه الإسلام.
3ـ من طبيعة الإسلام أنه يحرم تحريماً قطعياً قتل النفس البشرية، وقد جاء في الأثر «إن الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيانه».
الشرباصي، 1995، صـ166»، وجاء في الحديث الشريف: لايزال العبد في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً» «البخاري، ديات،1» وعليه لايجوز لمسلم أو من يدعي الانتماء إلى الإسلام أن يقتل إنساناً من غير سبب يستوجب القتل، مع علمه بأن هذا الفعل يحرمه الإسلام.
-4 من طبيعة الإسلام أنه ينهي عن النجوى الآثمة والدعوة الظالمة التي يكون فيها شر ومعصية أو عدوان، قال تعالى: «ياأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلاتتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول» «المجادلة9» وعليه لايجوز لمسلم أو من يدعي الإنتماء إلى الإسلام أن يعقد اللقاءات السرية أو يحيك المؤامرات بالخفاء لتدبير أعمال إرهابية، وهو على يقين أن ذلك محرم في الإسلام، والله تعالى يقول: «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني» «يوسف، 108» فدعوة الإسلام واضحة، فهي على بصيرة ونور، وليس فيها استتار ولاتآمر.
5ـ من طبيعة الإسلام أنه يحرم تحريماً قطيعاً الاعتداء على الغير، ويقف بكل صرامة ضد كل من يهدد الناس في حياتهم وأمنهم أو ممتلكاتهم أو معتقداتهم، قال تعالى: «ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين» البقرة، 10» وعليه لايجوز لمسلم أو من يدعي الإنتماء إلى الإسلام أن يعتدي على الناس أو يهددهم في حياتهم وأمنهم أو ممتلكاتهم أو معتقداتهم، «إن ذلك محرم في الإسلام».
6ـ من طبيعة الإسلام أنه يتهدد ويتوعد من يحرف أو يضلل أو يقول في الدين ماليس منه، والقرآن الكريم يقول في طائفة من الناس ضلت طريق الحق، ولكنها تدعي أنها تسير على طريق الحق: «وإن منهم لفريقاً يلؤون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وماهو من الكتاب ويقولون هو من عندالله وماهو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون» آل عمران،78».
ولذا لايجوز لمسلم أو من يدعي الإنتماء إلى الإسلام أن يبرر أعماله الإرهابية باللجوء إلى تحريف الدين والتضليل حتى يلتمس لنفسه حسب زعمه مستنداً أو دليلاً ليعلل به عدوانه على الآخرين، فينحرف في التأويل، ويتعسف في التعليل، وربما يفسر النصوص الدينية على غير وجهها ومرماها.
7ـ من طبيعة الإسلام أنه يدعو الناس إلى الإيمان والدخول في الإسلام بحرية تامة دون إكراه، لأن الإيمان يقين ينبعث من اقتناع وتصديق، وليس عن طريق الترهيب والتخويف، ويؤكد ذلك القرآن الكريم بقوله: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» «البقرة، 256» فالإنسان في نظر الإسلام هو حر في اختيار الدين الذي يريده، وهو حر كذلك في عقيدته، لذا لايجوز لمسلم أو من يدعي الإنتماء إلى الإسلام أن يمارس الإرهاب لغرض دينه أو عقيدته، بالقوة، أو يحدث موجة من الخوف والرعب بين الناس ليفرض عليهم عقيدته أو دينه أو مذهبه، في حين أن القرآن الكريم يقول: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» الكهف،29».
فهل ياترى من يحاول أن يفرض رأيه أو عقيدته على الناس بالقوة قد قرأ قوله تعالى: «من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها» «فصلت، 46».
8ـ من طبيعة الإسلام أنه يعتبر أي نوع من الإكراه لتبليغ أمر مرفوض، فالقرآن الكريم يحدثنا بأن الله تعالى طالب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يكون بعيداً عن معاني الإكراه والإرغام تحت أي مبرر كان، بل عليه اللجوء إلى البيان والتذكير والاقناع، قال تعالى: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر» «الغاشية، 21- 22»، وبالتالي ليس من حق أحد أن يلجأ إلى وسائل الإكراه لإرغام الناس على اعتناق عقيدة الإسلام، قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: «افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «يونس، 99».
9ـ من طبيعة الإسلام أنه وضع منهجاً قويماً للتبشير خال من العنف، ورسم طريقاً سليماً للدعوة ليس فيها غلظة أو فظاظة أو إرهاب، والقرآن الكريم يخاطب النبي محمداًصلى الله عليه وسلم بقوله: «فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك» «آل عمران، 159»، وطالبه في الوقت نفسه بإتخاذ الحكمة والموعظة الحسنة كوسيلة لنشر الدعوة، قال تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» «النحل، 125»، فما بال بعض الذين يدعون الإنتماء إلى الإسلام لا يسلكون هذا السلوك عندما يتحاورون مع من يختلفون معهم فتراهم يحاورون خصومهم بغلظة وفظاظة، ويلجؤون إلى العنف لفرض آرائهم عندما تعجزهم الحجة، فيسيؤون لأنفسهم وللإسلام.
10ـ من طبيعة الإسلام أنه يطالب أتباعه أن يكونوا على أعلى مستوى من الرقة والملاطفة مع المخالفين لهم في الدين والعقيدة، أو الرأي، قال تعالى: «وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» «النحل، 125»، وعليه فما بال أناس يريدون فرض آرائهم أو قناعاتهم الفكرية على واقع مغاير، وعندما يعجزون يلجؤون إلى العنف أو الإرهاب لتغيير الواقع، فيسيئون بذلك لأنفسهم وللدعوة التي يدعون لها.
11ـ من طبيعة الإسلام أنه ينكر على أتباعه ادعاء الحقيقة ولا يقبل من أي مسلم أن يدعي أنه وحده يمتلك الحقيقة، والقرآن الكريم يقول على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» «سبأ، 24»، فما بال أناس يدعون الإنتماء إلى الإسلام وأنهم، وحدهم يمتلكون الحقيقة، ويكفرون من يخالفهم، بل ويتعصبون لآرائهم، غير مدركين أن في التعصب أضراراً مادية ومعنوية للفرد والمجتمع والأمة، ويؤدي إلى زعزعة الأمن وفقدان الإستقرار، ووقوع خسائر فادحة في الأموال والأنفس، وفي الحديث الشريف أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان قد رأى أحد الصحابة متعصباً في رأيه فقال له: «إنك امرؤ فيك جاهلية» «البخاري، إيمان، 22» وهذا يعني أن التعصب منبوذ في الإسلام، وبالتالي لا يجوز لمسلم أن يكون متعصباً، ولا يتحمل الإسلام وزر المتعصبين.
12ـ من طبيعة الإسلام الإعتدال والتوازن في كل شيء، فقد أمر الله الإنسان أن يكون معتدلاً في حياته، ولا يغالي في الدين، أو يتطرف فيه، بل يكون متوازناً فيعطي كل جانب من جوانب حياته حقه من غير إفراط أو تفريط، والله تعالى يقول: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا» «القصص، 77»، وبالتالي فإن الغلو والتطرف يتنافى مع طبيعة الإسلام.
13ـ من طبيعة الإسلام أنه يحرَّم سفك الدماء، ويدعوا إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات البشرية، قال تعالى: «أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» «المائدة، 32»، في حين أن الإرهاب يستحل الحرمات ويسفك الدماء، ويقلق الأمن، ويمنع الاستقرار في المجتمعات البشرية.
14ـ من طبيعة الإسلام محاربة التعصب ونبذ العصبية، ويدعو إلى الحوار مع المخالفين ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وينكر على المتعصبين تعصبهم، وفي الحديث الشريف إن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم: رأى أحد الصحابة متعصباً في موقفه، فنهره وقال: «إنك امرؤ فيك جاهلية» «البخاري، إيمان،22» في حين أن الإرهاب قرين التعصب وفي التعصب ظلم، وينتج عنه أضرار مادية ومعنوية للفرد وللمجتمع والأمة، ويؤدى إلى زعزعة الأمن وفقدان الإستقرار ووقوع الخسائر الفادحة في الأموال والأنفس، ولذا لا يجوز إلصاق تهمة التعصب بالإسلام، لأن هذه التهمة لا تقوم على أساس، وليس لها أي سند من تعاليم الإسلام، وإذا كان بين المسلمين بعض المتعصبين فلا يرجع ذلك إلى الإسلام الذي يعوا الإنتماء إليه، ولا يتحمل الإسلام وزر ذلك.
15ـ من طبيعة الإسلام أنه يمنع الإسلام من التمادي في الجريمة، ووضع عقوبات وروادع صارمة ضد مرتكبي الجريمة، كما وضع نظاماً صارماً للحد من الجريمة وهو ما يعرف بالحدود الشرعية، بهدف إيجاد مجتمع مستقر خالٍ من الجريمة على إختلاف ألوانها، ودعا في الوقت نفسه لتطبيق تلك الحدود حتى لا تكون هناك ثغرات يمكن من خلالها أن ينفذ المجرمون لإرتكاب جرائمهم، والمفهوم السائد للحدود هو العقوبات لكل من ارتكب فعلاً فاحشاً يستوجب عليه الحد، وهذه العقوبات إذا ما طبقت على الواقع فإنها خير ضمان للإسلام الإجتماعي، وهو ما ينفي تهمة الإرهاب عن الإسلام، لأن من طبيعة الإرهاب أنه يتمادى في إرتكاب الجرائم ولا يردعه رادع، ولا يحتكم إلى نظام أو قانون أو أعراف.
16ـ من طبيعة الإسلام أنه يدعو إلى طاعة أولي الأمر فيما يأمرون به، وينهي عن الخروج عليهم إلا لمعصية بينة والله تعالي يقول: «يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» «النساء، 59» وفي الحديث الشريف: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «السلطان ظل الله في الأرض، فمن أهانه أهان الله، ومن أكرمه اكرمه الله» «الترمذي، فتن، 47»، وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: «من نزع يده من طاعة لم يكن له يوم القيامة حجة» «أبن حنبل، 3/70»، في حين أن الإرهاب ينزع غالباً إلى إهانة ولي الأمر والتمرد عليه والخروج عن طاعته.
17ـ ومن طبيعة الإسلام أنه يحترم المعاهدات والمواثيق المبرمة بين الدول، ولا يسمح بخرقها بدون أسباب، وحرم تحريماً قطعياً محاربة رعايا الدول المعاهدة أيا كانت دياناتهم، قال تعالى: «إلا الذين عاهدتهم من المشركين، ثم لم ينقصوكم شيئاً، ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين» «التوبة، 4»، في حين أن الإرهاب لا يحترم المعاهدات، ولا يلتزم بالمواثيق، فعندما يقدم شخص ما بإرتكاب عملية عدوانية يقتل فيها عدداً من رعايا الدول الأجنبية المؤمنين بالمعاهدات الدولية، إنما يخالف بذلك تعاليم الإسلام، فلا يصح أن ينسب ما يفعله إلى الإسلام، حتى لوكان الفاعل مسلماً أو يدعي الإنتماء إليه.
دراسات للدكتور علوي عبدالله طاهر