رياضة الخلفاء والكبراء وألعابهم في القرن الرابع الهجري

07-12-2008, 02:36 AM

رياضة الخلفاء والكبراء وألعابهم في القرن الرابع الهجري

مال أكثر الخلفاء العباسيين وكبار رجال الدولة في القرن الرابع الهجري إلى تمضية أوقات فراغهم في التمتع بمباهج الحياة والآخذ باسباب اللهو الترفيه .
واللهو – كما هو معلوم – منه ما هو محرم كاللعب بالنرد ومهارشة الديوك والكلاب أي التحريش بينها .
ومنه المباح كاللعب بالشطرنج ، ومنه الممدوح كالرمي بالنبال والنشاب وتعلم الفروسية .
وقد ورد في حديث أخرجه الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة : تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه " .

وأبرز الألعاب والرياضات التي شغف بها الخلفاء والأعيان هي : اللعب بالشطرنج ، واللعب بالصوالجة ، والرمي بالنشاب في البرجاس ، واللعب بالبندق ومسابقة الخيل ، والصيد .

اللعب بالشطرنج :
الشطرنج لعبة دخيلة عرفها العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام (1) ، وأول ما صنع لأحد ملوك الهند ويدعى " بلهيت " وكان يلعب به مع حكمائه على ما يرويه المسعودي (2) .
وقد اباح الفقهاء اللعب بالشطرنج ، من ذلك ما أفتى به مفتي نيسابور سهل بن سهل ، قال :" إذا سلم المال من الخسران والصلاة عن النسيان ، فذلك أنس بين الخلان (3) " .

وقد انتشر اللعب بالشطرنج في العصر العباسي ، إلا أن من برع فيه قليل . وكانت براعة بعض الشطرنجيين في اللعب سبباً في دخولهم دار الخلافة ، وتقربهم من الخلفاء ، كاللاعبين الرازي والعدلي اللذين كانا يلعبان بين يدي الخليفة المتوكل ، والماوردي والصولي اللذين كانا يتباريان في اللعب به في مجلس الخليفة المكتفي (4) .
إلا أن الصولي كان أبرع لاعبي زمانه حتى لقب بالشطرنجي ، وكان يلعب في حضرة المكتفي والمقتدر والراضي (5) .
وقد قيل في الشطرنج أشعار كثيرة (6) ، واشهر من ألف فيه العدلي ، والصولي (335 هـ. ) واللجلاج أبو الفرج محمد بن عبيد الله ( - نيف و360هـ. ) (7) .
...................
المصادر والمراجع :
(1)طلس ، اسعد ، الحياة الاجتماعية في القرنين الثالث والرابع ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، المجلد الثاني ، 1371هـ. ص 276 .
(2)المسعودي ، علي بن الحسين بن علي ( 346هـ.) ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ، دار الأندلس ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1973 ، ج1 ، ص96 .
(3)متز ، ءادم ، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، تعريب محمد عبد الهادي ابو ريدة ، الطبعة الرابعة ، بيروت 1967 ، ج2 ، ص257 نقلاً عن طبقات السبكي .
(4)المسعودي ، ج4 ، ص232 .
(5)طلي ، ج2 ، ص276 .
(6)المسعودي ، ج4 ، ص 234 – 235 .
(7)ابن النديم ، ابو الفرج محمد بن اسحق ، الفهرست ، ص227 – 228 .

اللعب بالكرة والصولجان :
واللعب بالكرة والصولجان لعبة فارسية الأصل ( 8 ) ، وهي " عبارة عن كرة تصنع من مادة خفيفة مرنة ( كالفلين ) ونحوه ، تلقى في ارض الميدان ، فيتسابق الفرسان إلى التقافها بعصا عقفاء يسمونها الصولجان أو الجوكان ، ويرسلون الكرة بها في الهواء وهم على خيولهم " (9) .

وقد شغف الخلفاء والكبراء بهذه اللعبة ، ومارسوها ، وأقاموا لها ميادين خاصة في قصورهم كميدان القصر الحسني في بغداد (10) . ويروى أن هارون الرشيد هو أول من لعب بالصولجان من الخلفاء ، وقرّب منه لاعبيه ، وأجرى عليهم الأرزاق (11) ، كما لعب به الخليفة المقتدر (12) ، وكذلك وزير المتوكل عبد الله بن يحي بن خاقان (13) وغيرهم .
...................
المصادر والمراجع
( 8 ) متز ، ج2 ، ص228 .
(9) طلس ، ج2 ، ص278 .
(10) الصابىء ، هلال بن المحسن ( 448هـ.) ، تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء ، القاهرة ، 1958 ، ص156 .
(11) المسعودي ، ج4 ، ص225 ، والسيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر ( 911هـ.) ، تاريخ الخلفاء ، مصر ، 1952، ص295و 389 .
(12) الصابىء ، ص156 ، ومكسويه ، ابو علي أحمد بن محمد ( -421هـ. ) تجارب الأمم وتعاقب الهمم ، القاهرة ،1914،ج1،ص5.
(13) متز ، ج2 ، ص 262 .

الرمي بالنشاب إلى البرجاس

البرجاس ضرب من ضروب الفروسية (14) ، وهو عبارة عن غرض يرمى في الهواء ، أو يكون على راس رمح يطلب إصابته بالنشاب (15) وقد أقيمت الميادين للعب بالبرجاس كميدان أشناس (16) ، وميدان القصر الحسيني (17) .

وكان الخليفة المعتضد يمتحن جنده في البرجاس في الميدان الصغير في قصره بحضور وزيره عبد الله بن سليمان وقائد جيشه بدر المعتضدي ، والقواد والغلمان وكتّاب العطاء والخدم ونحوهم وكانت توزع عليهم الأرزاق والأعمال حسب علامتهم في الإمتحان ( 18 ) .
وهذا يعني أن البرجاس كان رياضة الجند إلى جانب كونه رياضة الخلفاء لأن الرشيد كان أول من رمى بالنشاب إلى البرجاس (19) .
...................
المصادر والتراجم
(14) الصابىء ، ص17 .
(15) طلس ، ج2 ، ص 279 .
(16) الصولي ، ابو بكر محمد بن يحي ( 335 هـ) ، الأوراق ، الناشر ج. هيورث دن ، مطبعة الصاوي 1936 ، ج2 ص233 .
(17) الصابىء ، ص17 .
( 18 ) المصدر ذاته ، ص17-19 .
(19) المسعودي ،ج4 ، ص225 ; والسيوطي ، ص295 و 389 .

اللعب بالبندق
ويقصد به اللعب بكرات مصنوعة من الطين أو الحجارة أو الرصاص أو غير ذلك ، ويترامى بها في الهواء أو يتصيد بها. وقد أخذها العرب عن الفرس ، وبدأوا يمارسونه في أواخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وزاد الاهتمام بها في زمن العباسيين ، حيث ظهر عدد كبير من رماة البندق ، كانوا يخرجون إلى ضواحي المدن للسباق ، وصيد الطير بها .
ويروى أن الرشيد كانت له فرقة من رماة البندق اسمها " النمل " كانت تسير بين يديه وهي ترمي البندق ، وأن الخليفة الناصر لدين الله كان مولعاً بالرمي بالبندق (20)
...................
المصادر والمراجع
(20) طلس ، ج2 ، ص 278 – 279

مسابقة الخيل
أولى العرب قديماً الخيل اهتمامهم الكبير ، وبالغوا في اقتنائها وأحبوا إجراء السباق بينها وشغفوا به ، واعتبروا فوزها مصدر فخرهم وقوتهم وعزتهم ، وأقاموا لها حلبات سباق وهي ميادين عدوها فكانوا يرسلون الخيل عشرة عشرة أو أقل (21) .
وكثيراً ما كانت الخيل مصدر عز أو ذل للقبيلة ، وربما قامت من أجلها المعارك الطاحنة ، وما حرب داحس والغبراء التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان بسبب سبق الفرس الغبراء للفرس داحس ، والتي ذهب ضحيتها الكثيرون من أبناء القبيلتين سوى دليل واضح على شدة تعلق العرب بالخيل وعظيم افتخارهم بتقدمها في السباق .
جاء الإسلام ورغّب في اقتناء الخيل وإعدادها وتأديبها بقصد الجهاد في سبيل الله وإرهاب قلوب الأعداء من الكافرين .
قال الله تعالى :" واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم " ( سورة الأنفال الآية 60 ) .

ومما جاء في تقسير هذه الآية الكريمة " الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة إليه " والمراد بالقوة أقوال : أحدها أنها جميع أنواع الأسلحة والآلات التي تكون لها قوة في الحرب على قتال عدوهم ، الثاني أنها الحصون والمعامل ، الثالث الرمي " (22) .
والقوة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم ، قال : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة إلا أن القوة الرمي " .
" ومن رباط الخيل " يعني اقناؤها وربطها للغزو في سبيل الله ، والربط شد الفرس بالمكان للحفظ ، وربط الخيل للجهاد من أعظم ما يستعان به ، ومعنى " ترهبون به عدو الله وعدوكم " أي تخوفون بتلك القوة وبذلك الرباط الكفار من أهل مكة وغيرها (23).

وقد حرم الإسلام المقامرة بالخيل أي المراهنة عليها بقصد ربح المال وعده من الكبائر ، فأصل اتخاذ الخيل ومسابقتها في الإسلام هو اعدادها للجهاد في سبيل الله .
عن عروة البارقي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة :الاجر والمغنم " متفق عليه

وقد عني أولو الأمر من المسلمين بالخيل وشجعوا على اقتنائه ومسابقته .
ويروى أن عبد الله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان من أقدم من اتخذ الحلبات ، ويروى أيضاً أن الخلفاء كانوا يخرجون بأنفسهم للسباق في ايام معينة ، ويجازون من يحوز قصبة السبق ، وهي قصبة تغرس في ءاخر الميدان يأخذها من يسبق أولاً دليلاً على تقدمه في السباق ، وتمنح له الجوائز القيمة .
ومن هنا قول أهل العربية : " حاز قصب السبق " أي : فاق أقرانه .
واشهر من اعتنى باقتناء الخيل وإجراء السباق بينها من الأمويين الخليفة هشام ابن عبد الملك الذي يروى عنه انه اجتمع في اصطبله أربعة ءالاف خيل أصيلة . وقد اتصفت حلبة رصافة هشام بعظيم اتساعها وشدة جمالها ، وتوفيرها جميع أسباب الراحة للخيل والخيالة والنظارة .
وقد أورد الطبري والمسعودي الكثير من الأخبار والطرائف حول سباق الرصافة الهشامية وحلبتها (24) .
ولم يكن اهتمام بني العباس بالخيل أقل شأناً من اهتمام الأمويين بها ، فقد اقاموا لها الميادين الكبرى وحلبات السباق الفسيحة في بغداد والرقة والشماسية وسامراء . واهتم الأدباء والشعراء بالخيل .
فألف فيها عيسى بن لهيعة المصري كتاباً أسماه " الحلائب والجلائب " ذكر فيه كل حلبة أجريت في الجاهلية والإسلام ( 25) .
ووصف الشعراء الخيل والخيالة وءادب السباق ومجالسه ، وميادين الخيل وأسماءها وصفاتها ، وكتب الأدب مليئة بذلك .
...................
المصادر والمراجع
(21) المسعودي ، ج4 ، ص255 .
(22) تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل ، ج2 ، ص193.
(23) المصدر ذاته ج2، ص194 – 195 .
(24) طلس ، ج2 ، ص277 – 278 .
(25) المسعودي ، ج2 ، ص 215 .

الصيد
اهتم العرب في عصورهم المختلفة بالصيد ، وشغفوا به ، وعلّموه ابناءهم ، واستعملوا من ءالاته النبال والفخاخ ، ثم توسعوا فيه وتفننوا في ءالاته واساليب قبضه بعد اتصالهم بالفرس والأروام والأنباط والأقباط ، واستعانوا بالجوارح من الطير والحيوان كالباز والشاهين والعقاب والصقر والفهد وال*** ودربوها على الصيد وعلى اتقان ضروبه .
واشتهر بالصيد من العرب امرؤ القيس في الجاهلية ، وهشام والوليد ويزيد في العصر الأموي ، وبنوا قصورهم على أطراف البادية للصيد والاستجمام .
ويقال أن يزيد ابن معاوية كان أول من اشتغل بهذه الأمور من الخلفاء ، وإنه كان صاحب صيد وجوارح وفهود وقرود (26) .

وقد شاع الصيد في بني العباس ، وكان له شأن هام عندهم ، حتى إنه كانت هناك فئة من موظفي الدولة العباسية تعنى بتربية الحيوانات لاستخدامها في الصيد كالبازيارين ، والفهّادين ، والكلاّبين ، والسبّاعين ، والضقّارين ، وكانت تتقاضى لقاء ذلك رواتب شهرية .
وكان العباسيون يبذلون الأموال في شراء الطعوم وعلاج الجوارح ، كما اهتموا بتطوير أدوات الصيد وءالاته حتى بلغت ذروتها في عصرهم (27) .

والصيد رياضة وهواية مارسها الخلفاء العباسيون والكبراء ، وكانوا يخرجون لها في جمع من المرافقين ، كما ان ترتيبات خاصة كانت تتخذ عند خروج الخليفة في طلب الصيد حتى يستمتع برحلته .

ويروى ان الرشيد خرج للصيد مرة في الموصل وعلى يده باز ابيض (28) ، وأن الخليفة المكتفي ذهب للصيد إلى سرّ من رأى ( سامراء) بعد أن أمر وزيره بإرسال من يصلح الطرق ويعد المؤن والعلف وما تدعو إليه الحاجة للعسكر (29) .
ومن الخلفاء الذين شغفوا بصيد السباع الأمين والمتقي ، وبصيد الفهود المعتصم (30) . وكان الصيد سبباً في موت الخليفة المهدي الذي خرج يوماً لطلبه ، فاقتحم خربة وهو على ظهر جواده فدق ظهره في بابها ومات لساعته (31) .

وقد تفنن الشعراء في وصف رحلات الصيد وألفوا في ذلك قصائد كثيرة ، وعلى راسهم الشاعر ابو نواس صاحب الطرديات المشهورة التي وصف فيها كلاب الصيد وحيواناته وفنونه ورحلاته وما يجري فيها من لهو ونوادر ورياضة .
كما وضعت المؤلفات الضخمة في الصيد والطرد ، نذكر منها كتاب " البازي " و " كتاب الحمام " لأبي عبيدة معمر بن المثنى (210هـ.) (32) ، و " كتاب الوحوش " للأصمعي (217هـ.) (33) ، وكتاب " المصايد والمطارد " لكشاجم وكتاب " البيزرة " لمؤلف مجهول (34) .
...................
المصادر والمراجع
(26) طلس ، ج2 ، ص286 -287
(27) الصابىء ص24
(28) المسعودي ج1 ص210
(29) الصابىء ص144
(30) انظر متز ، ج2 ، ص264 ، وحتى فيليب ، وجرجي ، ادورد ، وجبور ، جبرائيل ، تاريخ العرب ، بيروت ، الطبعة الخامسة ،1974 ص 408
(31) السيوطي ص273
(32) ابن النديم ص 86
(33) المصدر ذاته ص88
(34) طلس 2 ص 287