xt:يمر اليوم هنا في هولندا بهدوء ودون منغصات ... لا صخب ولا ضجيج ولا ضوضاء ولا مشاكل على الإطلاق. تنسى هنا أيضا حاجة إسمها كهرباء أو ماء أو بترول أو غاز الطبخ وغيرها من المنغصات الكفيلة بتكدير عيشك وتطيير النوم من عينيك في اليمن الذي لم يعد ’سعيدا‘ بالطبع، لا بل أنك لا تفكر فيها بالمرة ... تنسى من أصله حاجة إسمها كهرباء أو ماء أو غاز أو ماشابه.
في صنعاء، إنتبهوا أنا أتكلم هنا عن عاصمة اليمن وصفحة غلافه وليس عن منطقة ريفية أو صحراوية نائية أو جزيرة غير مأهولة بالسكان، لا يمر يومك دون إن تعتريك المنغصات، صغيرها وكبيرها، خطيرها وحقيرها. سيبدأ يومك من الليلة السابقة حيث تنام ولا تنام في إنتظار الكهرباء لشحن اللاب توب والهاتف السيار وربما كي بعض الملابس وغيرها من الأمور التي ترتبط بالكهرباء، بعدها يطلع عليك الفجر وعليك القيام لصلاة الصبح، لكنك تفاجئ بمجرد فتح الصنبور بعدم وجود الماء، وعليه فليس لديك من حل سوى التيمم (خيرة الله). تتجهز للذهاب إلى العمل وبالطبع دون وجبة الإفطار، لأن الغاز غير متوفر. تتعطل السيارة في الطريق إلى العمل كون البنزين الذي أشتريته تحت ضغط الحاجة الملحة للتواصل بالسيارة مغشوشا، وتضطر عندها أن تأخذ السيارة إلى المهندس ويخبرك (ببساطة) بأن عليك أن تغير البخاخات وكذا الصفاية، كما أنه سيكون لزاما عليه صب البنزين الموجود في خزان السيارة في الأرض وغسل الخزان جيدا سبع مرات بالماء والصابون.
نرجع لموضوع الكهرباء. الكهرباء في اليمن حكاية ما بعدها حكاية، حكاية العجز والفشل وقلة الحيلة! إنها حكاية تروي قصة فشل دولة وفشل نظام وفشل الوزارات والوزراء المتعاقبين عليها، كما أن الفساد كان ولا يزال ركنا مهما في حكاية الكهرباء، وقصة الكهرباء النووية ليست عنا ببعيد.
كثيرا ما تتحفنا القنوات الرسمية بإفتتاح مشاريع كهربائية هنا وتدشين محطات توليد هناك، بينما المحصلة لا شيء وكما يقول المثل "نسمع جعجة ولا نرى طحينا".الكهرباء تشبه جمل المعصرة الذي يبقى طوال يومه يدور في نفس المكان، فيما يعتقد ]الجمل[ طبعا بأنه قد قطع الفيافي والقفار الشاسعة، فالكهرباء بقيت عقودا من الزمان على حالها ولم تتغير القدرة الكهربائية الخاصة بالبلد رغم القفزات الهائلة في عدد السكان وتضاعف عدد المنازل التي تغذيها الشبكة العامة عشرات المرات.
تحتفل وأحتفلت عشرات الدول بمرور نصف قرن أو أكثر على تدشين الكهرباء فيها وعدم إنطفائها حتى ولو لثانية واحدة، ومؤخرا أحتفلت اليابان بمرور مائة عام على تدشين الكهرباء وعدم إنطفائها مطلقا، وبهذه المناسبة تم قطع التيار الكهربائي لدقيقة واحدة لتذكير الناس بأهمية الكهرباء وضرورة الحفاظ على البيئة.
لم تعد الشموع مصدرا للضوء إلا في البلدان المتخلفة والفاشلة التي أبتليت بقيادات تعيسة بعقول فارغة، وغالبا ما تستخدم الشموع في الدول المتحضرة مع أضواء الكهرباء الخافتة في المطاعم والمقاهي أو حتى في البيوت لأغراض الرومانسية والرومانسية فقط، وهي شموع لا تذوب بسرعة أو تصدر دخانا كما تفعل الشموع التي تشتريها في اليمن.
تستثمر عشرات الدول اليوم في الطاقة النظيفة وتفكر بالإستغناء الكامل عن مصادر الطاقة القديمة بشكل كامل كالمحطات التي تعمل بالفحم كما في الصين، والمولدات العملاقة التي تعمل بالديزل أو ماشابه، والمفاعلات النووية بسبب التسربات الإشعاعية الخطيرة التي تحصل حال حصول بعض الحوادث كما حصل مؤخرا في اليابان في محطة فوكوشيما النووية.تشمل الطاقة النظيفة طاقة الرياح وإستخدام الألواح الشمسية والطاقة الحرارية وهي بدائل ربما مكلفة نوعا ما في مرحلة التركيب، لكنها الأرخص كلفة أثناء التشغيل والصيانة، كما أنها عمرها الإفتراضي أطول من مولدات الديزل وغيرها.
مشكلة الطاقة في بلادنا تتمثل في عدم التفكير في حلول إستراتيجية طويلة الأجل والتفكير فقط في الحلول الأنية والتي لا تحل المشكلة وإنما تؤجلها، وهذه في الأساس حلول معجلة لمشاكل مؤجلة سندفع ثمنها باهظا وباهظا للغاية.
لطالما تردد على مسامعنا المثل الشهير "أشعل شمعة والعن الظلام" وأنا أقول "أشعل شمعة والعن النظام"، فهو المسئول بدرجة رئيسية عن ما وصل إليه حال البلد اليوم من تدهور للخدمات وتعطيل لمصالح الناس ونهب منظم لجيوبهم.
أما فساد قطاع الطاقة فحدث ولا حرج، فالمعروف بأن وزارة الكهرباء دأبت على التعاقد وشراء الكهرباء من شركات أجنبية كشركة أجريكو البريطانية من خلال محطات عائمة في بحر الحديدة وكذا من رجال أعمال محليين بإستئجار بعض المولدات. خسر البلد في هذه التعاقدات مليارات الدولارات ومع ذلك لا المشكلة حلت ولا سلم البلد تبعات تلك التعاقدات وطبعا العمولات كانت وراء تلك التعاقدات ولم يتم التفكير ولو للحظة في مصلحة الوطن والمواطن.
من المعروف لدى المعنيين والخبراء بالكهرباء في اليمن بأن المحطات الحالية عتيقة وقد أنتهي عمرها الإفتراضي قبل فترة طويلة ومحاولات صيانتها لن تجدي نفعا، كونها مكلفة للغاية وسيأتي اليوم الذي تخرج هذه المحطات من الخدمة نهائيا، وما سيتبقى ضمن المنظمومة لن يكون بمقدوره إنارة مدينة أو أثنتين بالكثير وعندها سيفيق المسئولون ويلجأون كالعادة إلى الحلول السريعة والغبية في آن. والغرض من هذا المقال يتمثل في لفت نظر الجهات المختصة لهذا الموضوع المهم للغاية، وهو ما يعونه في الأساس لكنهم يتجاهلونه.
من المهم الآن التفكير جديا في توطين تكنولوجيا الطاقة النظيفة في اليمن وبخاصة واليمن بلد لا تختفي الشمس فيه طوال اليوم وعلى وجه الخصوص في المناطق الساحلية وشبه الصحراوية، كما يمكن اللجوء إلى الطاقة الحرارية وطاقة الرياح وغيرها من البدائل المتاحة.
يجب على الدولة اليوم أن تبدأ بالإستثمار في بدائل الطاقة الحديثة وجذب الإستثمارات في هذا المجال الحيوي، كما أن على القطاع الخاص مسئولية مشابهة وعليه أن لا ينتظر الحلول التى تأتي من الحكومة وأن يبدأ في البحث عن حلول لمشاكل الطاقة التي يواجهها، كما يمكن للمواطنين أيضا ممن لديهم المال أن يكون لديهم مصدر الطاقة الخاص بهم كالألواح الشمسية مثلا.