ما أروع خلق التغافل في البشر فهو يزيدهم جمالاً ويضفي عليهم هيبة، فالتغافل المحمود يريح الإنسان من سياط الحقد ويحميه من ألسنة الحسد ويريحه من إشغال الفكر فالذي يرقب تصرفات الناس ويراها بعين المجهر يتعب نفسه ويقع نظره على ما لا يريد ولا يتوقع، والتغافل يكسب صاحبه راحة بال؛ أما الذي يقف عند كل كلمة، ويرد على كل خطأ، ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فهو أكثر البشر شقاء، وأعظمهم نكداً، كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: مَن لم يتغافل تنغصت عيشته. والإنسان بالتغافل يرفع ذاته ويكرم نفسه ويعلي من شأنه، وبالتغافل تئد الشر وتُعظّم الخير وتفوز بالقلوب ومعه لن تخسر حبيبا ولن تُمكّن منك عدوا، والتغافل يعطيك وقتاً أكثر للتأمل وفحص الأمور ، والعاقل لايجتهد في البحث والتدقيق لغاية عظمى وهي أن هناك أمورا سترنا الله بها ومن حولنا ومعها تسير الحياة بسكينة وسلام وإنطباعات جميلة حياة يسودها الصفاء وربما ضاع كل هذا وتكدر صفو الحياة إذا استغرق الإنسان في التدقيق والتفتيش فربما وجد ما يسوؤه
ومن اعتاد الوقوف على الأخطاء والتفتيش عن الخفايا إلى أن يكون طبيعة وسجية له لا يستطيع الانفكاك منه، وملازمة هذا الطبع يجره إلى تتبع العورات واصطيادها والتنبيش عنها، ويكفي بنا (منفرا) وواعظاً حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته مع تحياتي للجميع وإلى اللقاء في رونيات جديدة